فهم السنن الإلهية خطوة أساسية لمحاربة الإلحاد
فهم السنن الإلهية خطوة أساسية لمحاربة الإلحاد
الا تدري أن ما يحدث الان من محن هو من السنن الإلهية!
هذه المقالة منقولة بتصرف من
الأحداث الجسام التي تمر بها الامة تحير العقول، وتتجاوز قدرة النفوس على تحملها، وتلعب فيها الشكوك دورا في القلوب!
تفتح خارطة العالم المعاصر وتنظر إلى مناطق النزاع العنيفة فيها ونقاط التفجير التي تجري فيها الدماء كالأنهار، وتزهق فيها النفوس بمئات آلاف، وربما ملايين، حتى لا تجدها إلا في بلاد المسلمين! بلاد خير الأمم، أتباع خير الرسل، وحاملو راية الهداية للعالمين، وأعرق أمة عرفتها البشرية الضالة منذ بداية الخليقة؛ حيث يبدو للمرء أنها أقوى مواقع؛ مواقع المسلمين، وأرخص دماء؛ دماء المسلمين.
هنا يبدأ الشيطان في التسلل إلى عقول الكثيرون بإلقاء أسئلة تشككية محيرة، تجد ترحيبا في عقول الشباب والشباب خاصة في هذه الأيام.
يبدأ الشخص المرتاب المضطرب بالتفكير في سر تحكم أعداء المسلمين بهم وفي العدل والإنسانية في هذه الأحداث المأساوية.
توجه الأسئلة تساؤلات تصاعدية، حتى يقوم الشيطان بطرح السؤال الأخطر للإنسان، وهو: أين الله -عز وجل- في كل ما يحدث للمسلمين في أماكن متعددة؟! ولماذا لا يحمي المسلمين وهم الأتباع لخير الرسل من أعدائهم؟! لماذا لا يرسل الله الطير الأبابيل لإغاثتهم والانتقام من قتلتهم؟!
وها هو الشيطان يحقق غايته ومراده بغواية الإنسان، حيث يقوده نحو الضلال دون علم، بزيف قلبه بالشك واليأس والقنوط، ويدفعه صوب هاوية الإلحاد، وهكذا تتحقق السنن الإلهية.
لحماية أنفسنا وأبنائنا وأجيال المسلمين من الاعتداءات الشيطانية في أوقات الاستضعاف والسيطرة الأعداء، وتأثرها بالكوارث والمحن، ولمواجهة ظاهرة الإلحاد، كان من الضروري دراسة السنن الإلهية وفهم دورها في تفسير الأحداث وفهم الواقع وتوقع المستقبل، لكي نعرف أسباب المشاكل وحلولها لهذه الأمة التي تعاني من كثرة الصدمات.
تعريف السنن الإلهية
تم ذكر مصطلح السنة في القرآن الكريم في ست عشرة مرة، حيث ذكرت كلمة “سنة” الفرد ثلاث عشرة مرة، كما ذكرت كلمة “سنن” مرتين، وكلمة “سنتنا” مرة واحدة.
بالنظر الى تلك الآيات، يتبين لنا أن السنن الإلهية تشمل وتتسع لتشمل جميع ما في الكون بعظمة وحكمة الخالق.
فإن السنن تعتبر القوانين والقواعد التي تحكم حركة الكون وأحداثه وتفاعلاته، وفي هذا السياق، تعتبر السنن الإلهية مظهرا لإرادة الله الشاملة، وترتيباته الدينية، وفعله العظيم، ووعوده الصادقة، وحكمته العميقة.
ورغم تنوعها الكبير، إلا أنه يمكن تصنيف السنن الإلهية إلى نوعين رئيسيين.
السنن الإلهية هي النواميس التي وضعها الله -سبحانه وتعالى- لسير الكون وتنظيمه بدقة وإعجاز.
تشمل هذه السنن سنن الكون وقوانين الطبيعة والآفاق والسنن الجارية، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بربوبية الله وخلقه العظيم.
وهذا النوع من السنن الإلهية لا يمكن لأحد تجاوزها؛ لأنها مرتبطة بالقدر الكوني وبإرادة الخالق العليمة، فهي محتومة دائما، ولكن يمكن تعديلها بالتوقف – كما توقفت الشمس ليوشع بن نون عليه السلام – أو بالتغيير – كما حول الله النار المشتعلة إلى برد وسلام على إبراهيم -عليه السلام- بقدرته العظيمة.
يقوم الله بإلغاء هذه السنن إذا شاء وكيف شاء، حيث تتبدل عن المألوف لدى الناس، وهذا ما يسمى “السنن الخارقة” أو بمعنى آخر، العجائب التي يقوم بها الله -عز وجل- على يدي أنبيائه، أو المعجزات التي تدل على كرمه وعظمته وتكريمه لأوليائه المقربين.
أما النوع الثاني: تعرف السنن الاجتماعية والعمرانية باسم السنن الإلهية؛ حيث تهدف إلى توجيه الإنسان في التصرفات داخل مجتمعه وبيئته -سواء كان فردا أو جماعة أو أمة- في علاقته بالكون والله الخالق.
تتعلق هذه السنن بالديانة والشريعة؛ إذا تمسك الإنسان بتعاليمها واتبعها وخضع لقضاء الله -عز وجل- فإن نهاية أمره ستكون خيرا له في الدنيا والآخرة.
أما إذا تخلف عنها وتمرد على الشريعة، فعليه أن يتحمل عواقب اختياراته السيئة وعصيانه لأوامر ربه، سواء كان ذلك في الحياة الدنيا أو في الآخرة.
وهذا النوع من السنن الإلهية يتميز بالثبات والاطراد والعموم، وسنذكر الثلاثة بتفصيل؛ وذلك استنادا إلى الأمر الإلهي الذي يحكمها كسنة ثابتة التحقق: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الأحزاب62] ، كما أنها مقدرة بآجال في الوقوع على من حقت عليهم: (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[يونس49] ، وفي الوقت نفسه تعد سننا حتمية على الناس في تداول الأحوال؛ متماشية مع القاعدة: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران140] في مختلف الأمم والديانات توجد سنن إلهية، تتسم بثباتها وثبوتها، حيث تحكم تصرفات الناس وأفعالهم وسلوكهم في الحياة.
هذه السنن تتم بدقة وتشكل جزءا أساسيا من حياة البشر، حيث تحدد نتائج تصرفاتهم مثل النجاح أو الفشل، والسعادة أو البؤس، والرفعة أو الذل، والتقدم أو التأخر، والقوة أو الضعف، وتظل هذه السنن ثابتة دائما لا تخضع للتغيير أو التبديل: “فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا” (فاطر43).
بشكل عام، السنن الإلهية وفن التعامل معها هما من أهم المفاتيح لفهم الكون والإنسان والحياة، وللمساهمة الفعالة في بناء الأمم وتطوير الحضارات وإصلاحها، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالتقدم الحضاري المستقبلي للأمة الإسلامية، نظرا للضعف والهوان والتفكك والتجزئة التي وصلت إليها، وبسبب تحالف الأمم ضدها.
سمات السنن الإلهية
لدينا ثلاث سمات رئيسية في السنن الإلهية:
ثبات السنن الإلهية يعني عدم تغييرها أو تبديلها؛ كما ورد في القرآن الكريم:
“لن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا” (سورة فاطر 43).
تتجلى حكمة الله -عز وجل- في ثبات تلك السنن، إذ خلقها لتنظم حركة الكون والحياة. فإذا لم يكن هذا الثبات موجودا، لسادت الفوضى وانهار نظام الكون، حيث تقوم السنن بتنظيم التاريخ وسيرورة التغيير، لتجعل الحياة ذات هدف محدد في هذا الكون المنظم.
الاطراد هو التكرار، حيث تحدث السنن الإلهية في ظروف ملائمة وتجتمع العوامل المؤثرة في تنفيذها، سواء زمنيا أو مكانيا، سواء كانت على نطاق فردي أو جماعي، وبالنسبة للشعوب والأمم والأحداث والأفكار.
هذا التكرار الدوري للسنن الإلهية هو بقدر من الله -عز وجل-؛ كما جاء في القرآن الكريم:
(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ)[آل عمران138]،
وهذا التكرار يجعل السنن الإلهية حجة على الناس جميعا، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، أو صالحين أو فجرة.
باختصار، تطبق السنن الإلهية على الجميع بدون استثناء وبدون تحيز.
كما قال تعالى:
“ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا” [النساء 123].
يظهر هذا المفهوم بوضوح في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث حصل الصحابة على نصر الله عند الانتصار بإتباع سننه، كما في غنم بدر الكبرى.
بينما عند خروجهم عن سننه في موقعة أحد، لم تظهر النتائج الإيجابية؛ بل تم تجريمهم بسبب ترك السنن.
ومن يفهم معنى السنن الإلهية وتطبيقها، يكون مستعدا لتحمل نتائجها بسلام.
أهمية فهم السنن الإلهية تكمن في قيمتها العظيمة وتأثيرها العميق على حياة الإنسان
فتح الله -عز وجل- أمام العقل البشري ثلاثة كتب يفهم من خلالها كيفية عمل السنن الإلهية في الكون والخلق.
الكتاب المكتوب ، القرآن الكريم، يتضمن العديد من الآيات التي توضح لنا بوضوح وبلطف كيفية عمل السنن الإلهية، بتقديم الأمثلة وسرد الأحداث بشكل يجعل القارئ يشعر كما لو أنه شاهد حقيقي للأحداث.
الكتاب المنظور الكون الواسع وجميع مكوناته من السماء والبحار والصحاري والكواكب والنجوم، المعروف بتقنيات الفلك والفضاء والأرض والبحار والحيوانات، جنبا إلى جنب مع باقي العلوم التجريبية التي استكشفها العرب في العصور القديمة والغرب في العصور الحديثة، تؤكد بشكل كبير على وجود السنن الإلهية وعظمتها.
الكتاب المأثور ؛ يستعرض تاريخ الأمم السابقة وعلاقتها بالأنبياء والمرسلين ومقاومة المكذبين ونهاية الطغاة والمجرمين ومصير المؤمنين والموحدين، إضافة إلى صور النجاح والفشل وجوهر الانتصار والتمكين.
الكتب الثلاثة تتشابك وتتكامل معا، يتم تلخيصها في كتاب وتبسيطها في آخر، فهي كتب تؤكد بعضها البعض، والأهم هو الكتاب الأول، القرآن الكريم.
من خلال السنن الإلهية، نستطيع فهم التاريخ وتفسير الأحداث بطريقة شرعية تفيدنا في فهم واقعنا وتوقع مستقبلنا.
يمكننا أن نستفيد من تجارب الأمم وأخبار السابقين.
لسوء الحظ، العديد من المسلمين اليوم يفتقرون إلى القدرة على ربط النتائج بالأسباب وفهم حقيقة السنن وتفسيرها.
قد يصدمهم الواقع المؤلم كما يحدث اليوم، فينتابهم اليأس والإحباط بدون تفسير صحيح لما سيحدث من أحداث في المستقبل، سواء كانت سعيدة أم مؤلمة.
عوامل البناء والأمن والاستقرار والصحة والرفاهية، وعوامل الهدم والخوف والجوع والمرض، تجتمع في آية واحدة معجزة، وفي قوله تعالى:
“ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” [الأعراف: 96].
وتتغير الأوضاع في المجتمع من الصحة إلى السقم، ومن الثراء إلى الفقر، ومن الأمان إلى الخوف، ومن الكرامة إلى الذل.
وما إلى ذلك، مرتبطة بقرارات الناس الخاطئة وسلوكهم وأفعالهم السلبية التي تتعارض مع ما أمر الله به؛ على سبيل المثال ذكر الله تعالى:
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء16]
، ربطت السنن الإلهية بين فساد المترفين في المجتمع، وبين تدمير وهدم ذلك المجتمع، فتلك هي السنة التي تتكرر في جميع المجتمعات التي تخالف منهج الله تعالى وتتمرد على حكمه.
معرفة السنن الإلهية في الكون والخلق تساعد في تجنب النزاعات الدائمة بين أفراد الأمة الواحدة، التي يجب أن تكون متحدة تحت ولاية الله ورسوله وكتابه وشريعته؛ فالتوحيد في الشعائر يعزز الوقوف ضد الانقسامات ويمهد الطريق للخروج من مشاكل الضعف والاهانة التي تعاني منها الأمة اليوم، إذ تظهر السنن الإلهية بوضوح تبعات الخلافات وثمنها الباهظ
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال46]
فهم السنن الإلهية يمنح الدعاة، الوعاظ، والخطباء القوة والدافع، ويزرع في قلوبهم الصبر والثقة بالنصر والتمكين، رغم قلة النتائج وضعف الثمار، وانتشار الباطل.
إنها سنة ثابتة ومستمرة، ولا تزال سارية المفعول حتى مع خيرة الخلق، الأنبياء.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عرضت علي الأمم، فرأيت النبي معه الرهط، والنبي معه الرجل والرجلان، والنبي وحده دون أحد آخر”!
اليقين الجازم هو أن نصر الله مسلم لا شك فيه، عند تحقق شروطه وموجباته في الدعاة إليه، وإذا تأخر فإن النصر يأتي في النهاية بالشكل الذي يريده الله سبحانه وتعالى؛ كما ورد في قوله تعالى:
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج40]
تأسيا بالسنن الإلهية، تكمن أهمية تطبيقها في تقوية الدعوات والرسائل من خلال الصبر والتروي وعدم الاندفاع أو الانتقال إلى المراحل بسرعة.
إن سبيل الدعوة طويل وشاق، ولا يلزم أن نشهد النجاح أو نحقق الهدف قبل الموت، كما أشار الله تعالى:
(وإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ)[يونس 46]
من الواضح لنا أن دراسة وتفهم السنن الإلهية ضرورة شرعية ولازمة، وإرشاد الله -تعالى- ومعانيه الكثيرة والمتعددة في القرآن تجعل من الضروري على علماء الأمة وأهل الحل والعقد، خاصة الدعاة والخطباء والوعاظ، أن يجعلوا هذه السنن علما مستقلا وغير مرتبط بالعلوم المكتوبة مثل التوحيد والفقه والتفسير والأصول؛ لكي يظل مرتبطا بالهداية والتوجيه بشكل كامل، وليكون كدرع واق ونظارة مبكرة يمكن للمؤمن من خلالها رؤية الأحداث الجارية بوضوح، دون أن يناله من الإحباط أو القنوط، وبدون أن يفتح الشيطان سبيلا إلى قلبه أو عقله؛ إذ إن معرفة سنن الله -تعالى- تعتبر من أهم العلوم وأكثرها فائدة.